حمد الجاسر
ذاكرة أنساب أهل نجد
قد يبدو الأمر معجزًا أن تكتب ما لم يُكتب عن العلامة الشيخ حمد الجاسر، وهذا ما تلمسه حالما تبدأ في قراءة العديد من المقالات والدراسات والرسالات التي اقتفت أثره.
عبير الفوزان
منذ ولادته في قرية البرود في إقليم السر، في نجد عام 1910 حتى وفاته في الرياض عام 2000 كانت تلك التسعون عامًا التي قضاها حافلة بالعطاء، حيث أضاف الكثير للمكتبة العربية عامة والمكتبة السعودية خاصة. وبما أنك لن تستطيع أن تختصر المسيرات الخالدة في رسالة أو في صفحة، فإنه لا بأس أن تقدح ضوءًا ولو خافتًا أمام مسيرته المتنوعة بين التاريخ والجغرافيا، بين الدين والأدب، بين علم الأنساب والأماكن، وبين الصحافة والتعليم. أما بين مظهره النجدي البسيط وبين علمه الواسع فتقع المفارقة الفادحة. لقد كان جسد حمد الصغير هزيلاً في طفولته، وكان هذا الهزال هو السبب في التحاقه بالكتاتيب وحلقات الدراسة بدلاً عن فلاحة الأرض مع والده، ليكون بعد ذلك علّامة الجزيرة العربية.
لم يتلقَ الجاسر في بدايات حياته تعليمًا نظاميًا كالكثيرين من شباب جيله، لكنه نشط في البحث والدراسة فاستقر في الرياض عام 1928 طلبًا للعلم على يد مشايخها، فقرأ لمحمد بن عبدالوهاب، والحريري، وابن آجروم. ومع افتتاح المعهد العلمي السعودي عام 1930 الذي يُعد أول مدرسة نظامية في مكة المكرمة، في عهد الملك عبدالعزيز، غادر الجاسر الرياض ليلتحق بالمعهد الذي خرّجه لينضم بعدها إلى سلك التعليم.
إن إسهامات الجاسر في ثقافة وطننا لا تقاس بالكتب التي تنوعت بين أدب الرحلات والمعاجم وكتب الأنساب، بل تجاوزت ذلك إلى إسهامات ثقافية تجلت في التحاقه بسلك التعليم. ولكونه المؤسس الأول لليمامة أول جريدة في العاصمة الرياض عام 1952، فاز بقصب السبق، ليكون الأب الروحي لكل الصحفيين، ومن بعدها قام بتأسيس جريدة الرياض عام 1976. أما ما يجعل «ابن جاسر»، كما يدعوه قرناؤه من أبناء جيله ومنطقته، محل ثقة ومحبة من الكبار قبل الصغار، ومن التقليديين قبل الحداثيين هو أنه لم يغفل في كتابه «جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد» عن ذكر عائلة نجدية وأصلها، وفروعها. لذا كان كتابه بمنزلة الوثيقة التي لا تخلو منها مكتبة أسرة نجدية، امتنانًا وعرفانًا لذلك العلّامة الباحث الذي شغله السؤال فدون الإجابات بعد التقصي كحق شرعي لكل أسرة زهت بنسبها أو بحثت عن أصولها. إن الجاسر كان باحثًا اجتماعيًا بامتياز، حيث استطاع أن يدون ما لم يدونه أحد قبله معتمدًا على البحث والسؤال بين القرى النجدية والهجر، ومن مصادر موثقة، وكأنه بذلك يعايش عصر التدوين الأول.
لقد استحق الجاسر ما لم يستحقه غيره من جوائز عالمية كجائزة الملك فيصل، وجائزة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة سلطان العويس، وأوسمة مُنحت له في حياته، وأماكن سميت به بعد مماته. فكان علمًا تعرفه الجوائز والأماكن ويُعرف بها.. فرحمك الله يا بن جاسر.